الخميس، 4 يونيو 2015

 أسكني صدريَّ هذا الخريف ديباجة كتاب




v    هذه ديباجة المجموعة الشعرية التي صدرت للكاتب هذا الشهر
v    في طباعة ورقية بنفس العنوان


إلى الروحَيْنِ الساكِنَيْنِ في دمي؛
روحَيْ أبي وأمّي.
لَوْلاهما لَمْ يَعْرِفْنِي الوجودُ؛
ولا عرَفْتُ الفُقْدَانَ بالإكْراهِ،
يتتابعُ،
لِبَعْضٍ مِنّي.

·    بِاسْمِ الحُبِّ بَدَأتُ أحْبُو عَلَى الأرْض،
وَفِي بَيْداءِ الحُب،
ـ بلاَ نَحِيبٍ وَلاَ اكْتِئابٍ ـ
خَاتِمَتِي.

·    المَقْطُوعَاتُ الشِّعْرِيَّةُ هنا
تَلُمُّ مَا بَعْثَرَهُ الزَّمَان،
مِنِ افْتِتَانٍ مُذْهِلٍ بِالوُجُودِ، وبالحب، وَبِالحَيَاة
وبالكائنات والأمكنة واللحظات،
 على مسرح الدنيا
فِي صُورَةِ فَلْسَفةٍ ذَاتِيَّة،
 تُجَسّدُ قَنَاعَةً،
 بِأنَّ أيَّ كَاتِبٍ أدِيبٍ، أوْ شَاعِر،
أوْ فَيْلَسُوفٍ،
 يَدّعِي الكِتَابَةَ بِمَوْضُوعِيّة،
 مَآلُ ما يكتبهُ يبقى شاحبا، دون توتّرٍ جاذب مُسْتتر يَمُدُّهُ بقيمة الإستمرار في الحياة؛ فالموضوعية كلمةٌ مضللةٌ ماكرة.

كُلُّ كِتَابَةٍ إبْدَاعِيّةٍ هِيّ سِيرَةٌ ذَاتِيّة
وَفِي بَعْضِ الحَالاَت
تَصِيرُ فَلْسَفَةً ذَاتِيّة؛
تَصِيرُ نَهْجَ صَاحِبِهَا،
وَحِكْمَتَه.

§    إنَّ المَوْضُوعَاتِ خارجَ الذاتِ مدْرَكاتٌ مَاثِلَةٌ أمَامَنَا جَمِيعاً
تَنْصَبُّ عَلَيْهَا حَوَاسُّنَا،
فَإذَا لَمْ تُرَوِّضْهَا الإ نْفِعَالاَتُ
وَلم تَمُرّ بِمِصْفَاةِ ذَاتِ المُبْدِعِ
وَلمْ تَتَلَوَّنْ بِكِيمِيّاءِ دَمِه
وَبِمُنَاخِ تُرْبَتِهِ وَفَضَائِهِ وَمَائِه
 وَنَشْوَتِه، وناسه،
وَلَمْ تَنْصَهِرْ مَعَ تَشَوُّفَاتِه
وَاشْتِيّاقَاتِه
وَخَشْيَتِه
وَتَخَوُّفَاتِه، وخيباته،
تَبْقَ مُجَرَّدَ نَسْخٍ تَصْوِيرِيٍّ عَليلٍ، وأنينٍ قاتمٍ،
يَأتِي جَاهِزاً لِتَلْبِيَّةِ الطَّلَب
بِدُونِ رُوحٍ، وَلاَ احترام للنفس، وللفهم المُسْتنير.

كلما خرج الشاعر معَ ذاته، ولا أقول من ذاته،  إلى الواقع المحيط به،
ليجلّيَ للبصيرةِ أسرارَ الكونِ والكائنِ فيه،
 ـ أيْ يجلّيَ إنسانيةَ الإنسان، ونقائضَها، وأضْدادَها، ونسْبيتَها، وتَمَدُّدَ أحلامِها، وآمادَ الكون المدهشة ـ
 كلما ارتقى في مراتب الإبداع.

وعليه،
·    إذَا وَقَفَ مَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ الكَشْفِ وَالتَّعْبِيرِ عَمَّا أحِسُّ بِه، أقصد كلَّ إطار تَضيقُ فيه أنفاسُ الكلماتِ، والدبدباتِ، والمعاني، فإنني أحْجِبُه،
 وَأتَابِعُ
صَبّ الضَّوْءِ عَلَى ما أراه،
لِيَنْجَلِيَ كَمَا أرَاه في خيالي، وكما يتفاعل في نفسي.
أتابع
  استقصاءَ الإنفعالاتِ، وما تثيره فينا.

§                  وفي كلمات موجزة : الشاعر يتأمل الذات والأحداث، والموضوعاتِ والكائنات، بأسلوب الجمال؛ تُسندُه قِيَّمٌ مناصرةٌ للإنسان، عندما يرسم مآسيه وملاهيه. آنياً.

§                  ولا داعي أن أذَكِّر بأن الشعرَ يُقرأُ على مستويينِ، المستوى البسيط الأول، وهو لا يحتاج إلى إعادة القراءة، ومستوى يُلغَى فيهِ الزمانُ والمكان والمعاني القريبة، ويَرُجُّ في صميم قلب القارئة والقارئ، كما رَجَّ في صميم قلب الشاعر، وهنا تمتزج المعاناة بالحب، والغضب، والدهشة، والإنفجارِ العظيم، والإرتقاءِ في تمثلِ التجربة.

§                  إنني لا ألْوي أعناقَ الكلمات، ولا أقْحِمُها عُنْوةً في صندوق خشبيٍّ، أو كيسٍ بلاستيكي، ولا أقبَلُ انشطارَ الكلمات عن كَنْزِ ما تُشير إليه، من معانيها؛  وفي نفس الحين، لا أضْمِرُ عُقوقا للجَرْسِ والنّغْمة والإيقاع، ولا أضحّي بواحدٍ منها.

§                  كما لا أحْمِلُ مجافاةً للتراث، ولا لفلسفة اللغة العربية التي يطلقون عليها النار، بقَصْدِ القتلِ، ولا لمنطقها الفذ؛ بل أعانقه، وأمارس حقي في الإختلاف.

 فإذا وقعتُ في موقف الحَرَجِ بين الإنسياب الموسيقيّ المقبول للكلمات، أو الزجِّ بها في مُعْتقل القوالب، فإنني أناصرُ الإنسيابَ والتطويعَ الموسيقيَّ المقبول، حتى لا أنحرفَ عن الفكرةِ التي فجَّرتْ الإنفعالَ، وتقودُه؛ فكل كتابةٍ إبداعية هي انفجارٌ، وكتابةُ الشعر هي الإنفجارُ الأدبيُّ العظيم، ليس في وسع أي منظومة أن تدخله في إطارها، حتى منظومة الوزن والقافية.
ولهذا لا أرى الشعرَ الكلامَ الموزونَ المُقفّى فحسب، وإنما هو ذبذباتٌ متوترة، تحرّك الوجدان، موجهةٌ إلى قلبٍ لبيبٍ، يفهم في إشارة، ما تُطْنِبُهُ أجناسٌ أخرى.
إنه يكَثّفُ ويختصرُ ويُفَجّر.


·    هنا أقترح على القارئة، والقارئ، كوّة صغيرة من شعر بابلو نيرودا، لتأكيد تشابهِ المعاناة الإنسانية ووحدتها، تجاه مفارقات الوجودِ، تجاه مُعضلة الواقعِ وإحراجهِ،  وتناقضاته؛ ترجمتهما من اللغة الإنكليزية، ـ مع علْمي بأن الشعر تكاد تستحيل ترجمته ـ كإشارةٍ خفيفة إلى محاولتي تعريفَه، وفهمَه، وهو أمر صعب المنال.
·     فأنا على يقين بأن تعريف الشعر يَنْسَلُّ بين تعاريج الفَهْم، إنه مثلُ الحب، تَهْتَزُّ به أجسامُنا، ولا نستطيع تفسيره.

·     من أجل ذلك، لا أناصر التعقيد المتكلف، ولا الإيهام بالعمق، ولا منازلة القوالب مفرِّطا في المعنى والهدف، بل ألاطِفُ الكلماتِ بسماحةٍ لتَعْبُر بي، وبما أستخلِصُه من خبرتي الشاقّة في الحياة، المُتَماوِجة مع الجمال، إلى قلب كل قارئ يحب الجمال، ويتحَمَّلُ المعاناةَ، لكسب بُرْهةِ انغماسٍ في الجمال، الحاضرِ الآفل.

·    وباستثناء شِعْرٍ يُترجمُ حالةً نفسية مُلْتبِسة، كالحُلم، أو كرؤيا سوريالية، أو رؤيا مزعجةٍ أو مضطربة، فليس الإبهامُ أو التعميةُ المتعَمّدةُ ما يهزّ النفس، ولا نقرةُ الدفِّ وحْدَها، وإنما حفيفُ الكلمات الآسِرَةِ بصدقها والمُتناغمة في رَقَصاتها.


v  نداء الشعر:
لا أدري كيف وصل الشعرُ متأخّراً
في سِنّي
باحثا عنّي،
لا أدري من أين جاءْ
من نهرٍ أمْ من فصلِ الشتاءْ.
لا أدري كيف ولا متى
لا، لمْ يكنْ مَا جاءَ أصواتاً
ولا كلماتٍ
ولا صمتاً؛
وإنما وَصَلني استدعاءْ
وأنا في الشارع 
لأ لْتَحِقَ بأغْصان الليلِ
بغْتةً،
لألتَحِقَ بأجيج النارْ.

أو أعُودَ إلى عُزْلتِي
حيثُ كنتُ، لا وجْهَ لي ولا سِماتْ،
وَلاَمَسَنِي مَسٌّ
حِينَ أجَبْتُ النداءْ.

محمد الشوفاني

ليست هناك تعليقات: