الاثنين، 26 سبتمبر 2016

سيدتي الغاليَّةْ، ماذا تريدُ أرْضُنا مِنَّا؟




وَصَلْنا لِلْبَرِّ قِلْعَانِ أبْلَيَا في السَّفَرْ
هائِمَيْنْ
نَتْلُو مَراثينا على الصَّاري انْكَسَرْ
مُوَّاسونَ حَوْلنا يُتاجرونَ بالمَراثي،
بِما اعْتَرَانَا.

شَعَّ نورٌ موقِظٌ منَ العَدَمِ
كمنارٍ في بِحارٍ لِكَسيرِ السُّفُنِ
في الشارِعِ المُخْضَرِّ أنارْ،
هَمْساً ألْقى حَديثا مَلْغوزاً في الأذُنَيْنْ :
في مساء القَرِّ ألقاكُمَا في الحُلُمِ.

حينَ انْتقلْنا كالحَبَابِ في الأزْمُنِ
وتَمادَيْنا عَنْ ذاتَيْنَا غِيَّاباً
إجْتاحَنا عِشْقٌ وجَحَدْنَا
تَشَقَّقَ الجليدُ في الشَّرايينْ
إخْتَلَّ سِحْرُ الطُّقوسِ وَجَارْ
في أخاديدِ الأرْضِ نَجْمُنا ضَلَّ
كَطائِرٍ ذَبيحٍ يَصْطَفِقُ
كُنَّا فارِسَيْنِ على الفُقْدانْ
نَرْتَوي بِنَخْبِ ما كَسَبْنا
بِثُمالَةِ مَا بَقَّيْنَا.


وَصَلْنا لِلْبَرِّ قِلْعانِ تَقَطَّعَا
نَتْلُو مَراثينا على الصَّاري انْكَسَرْ
مُوَاسونَ يُتاجِرونَ فَوْقَ ثَرَانَا،
نَرْقُبُ المساءَ يَحْمِلُنا على رَاِفِدٍ
إلى حُلْمِنَا.

 وحينَ صَوْتُنا يَحْضُرُ
 نَكْتَوِي بِما لمْ نَقْترِفْ
ومَا اقْترَفْنا.

لمْ نسمعْ وَجيبَ قَلْبٍ يَطْرِقُ قَلْباً
كَمَا كُنَّا،
وحينَ اجْتاحَتْ  بابَنَا هبَّاتُ عِشْقٍ جَحَدْناها
بَاطِلاً
وَرَكِبْنا غُروراً تَضاريسَ مُسَنَّنَةً،
مَقاديرَنا طَمَسْناها
ليالينا تَرْتَجُّ دونَ مَسَرَّاتٍ
 دون أحَلامٍ نِمْناها.

ظهر النورُ الموقظُ خلفَ رُزْمَةٍ مِنْ سُحُبٍ
 تَأوَّهَ وانْسَحَبْ.

هلْ أفْصَحَ النورُ سَيدتي الغَاليَّةْ
عن أشجارٍ أطْعَمَتْنا ثِماراً أذْهلتْنا؟
 وَعَمَّنْ قَرَعَ الشَّكَّ أجْراساً
وأدْخَلنا في طَويَّةِ النِّسيانْ
وأخْفانا عنْ نَفْسَيْنا
حين الماءُ أغْوانا والأفْلاكُ دائرةٌ
حين تَخَتَّرَتْ دِمَانَا في الشَّرايِينْ
وخَسِرْنا ما كَسَبْنَا.

 تَأوَّهَ النورُ... تَبَرَّمَ وانْسَحَبْ
بِلاَ خَفْقَةِ قَلْبٍ تُسْعِفُنا
يا سيدتي الغالِيَّةْ؛
هُنَا حَكُّ أجْفانٍ ودُموعٌ تَنْدَفِعُ،
تندفِعُ ضَارِيَّةْ.

ماذا تُريدُ أرْضُنا بألغازِها؛
أنْ نَخْتَفِيَّ مِنْ وَعْيِنا
أنْ نشعرَ أنَّا ضآلةً من غُبارْ
هلْ تُريدُ أرْضُنا أنْ يَنْسَحِبَ الكونُ مِنَّا...؟


محمد الشوفاني
لندن في : 26ـ 09 ـ 2016
من ديوان جاهز للنشر

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

الإمتاعُ والمؤانسة بلندن



أمضيْتُ عمْري أسَمِّي مَنْ تعالَى سَمَا
أبْغي مُحالاً وأرْنو هازئاً بالسَّمَا
ما همَّني أبداً طيْرٌ بَدا أوْ سَمَا
حتى إذا امْتدَّ بي عُمْري
وشاء القَضَا
أن يجمعَ الناسْ
مَنْ صَلَّى بِهِمْ أوْ قَضَى
 في غُرْبةٍ
ليْلُها مِنْ وَحْشَةٍ ما انْقَضَى
ألفَيْتُني قابِعاً ترْنُو إليَّ السَّمَا.
الشاعر عبد الكريم كاصد

في إحدى الجلسات الإبداعية التي اعتدناها بلندن
وفي قمة الإمتاع والمؤانسة
أتحفني الشاعر والمفكر الكبير عبد الكريم كاصد
بتلاوة هذه المقطوعة الشعرية الفلسفية.
متعه الخالق بطول العمر وغزارة الإبداع.

محمد الشوفاني
لندن في 20 ـ 09 ـ 2016





الاثنين، 19 سبتمبر 2016

إنْ في العيدِ مَا عُدْتُ...ألاَ تَرْحَلينَ مَعي؟



 كيفَ أعودُ إلى دِيّارٍ تُرْبِكُ دَوْراتِ دَمِي
في كُلِّ عيدٍ
وقد شَبَّ في الدِّيارِ الهَجيرُ واسْتَعَرْ.
شبَّ الصَّخَبْ
حَلَّ حالٌ جَديدٌ ونَظَرْ،
 تَفَجَّرَتِ الشمسُ في حَدائقِ حَيِّنَا
سالَ الرَّمْلُ فوق العُروقْ،
في عُجالَةٍ جَمَعَ الأمْتِعَةَ القمرْ
 ومَضَى.

ذابتِ الشُّرُفاتُ والجُدْرانْ
لمْ تَبْقَ للقَمَرِ الشاحِبِ شُرْفةٌ  لِيُرْسِلَ نُورَهْ
لم يبقَ قلبٌ يَتَرَجَّى حُضورَهْ.
عَلَتْ بَسْمَةَ الوُرودِ الهَلْوَساتْ
ضربتْ فُلولُ التَّآليلِ البَشَراتْ
تَغَضَّنَتِ الحَرَكاتْ
إخْتلَّ الجَرْسُ وبَحَّ الرَّنينْ.


عزيزتي وَداعاً
أنتِ فاتِحَةُ خُشوعِي،
لا تَذْرِفي دَمْعاً حَبيسَةً تحتَ الرُّخامْ
لا تَسْهَري مَعي في رُبوعٍ يَبِسَتْ أحْجارُها
نامي كَما شاءتِ دُنيانا
كما شاءتِ المقاديرْ،
أنا لسْتُ وحْدي تُقَطِّعُنِي الأرضُ
تَهْجُرُني.
تُطَوِّحُني.
الأرضُ منْ أصْلابِها تَفْترِسُ
 كَعاقِّ الهِرَرْ.


وداعاً
ياعَصافيرَ السُّنونو إنْ طِرْتِ
 حَطِّي
هنا حبيبتي آنِسيها،
 يا طيورَ الحَسُّونِ بالأجْنِحةِ المُوَشّاةِ اسْعِدي
غَرِّدي؛
إحْتَشِدْنَ في الجِوَارْ.
إلتَقِطْنَ حَبًّا
 فوقَ التُّرابِ طَرِيَّا،
أتَذْكُرْنَ حَبَّاتِ القَمْحِ في رَاحَتَيْها
لَكُنَّ سَوِيَّا؟

يا أغْصانَ الرَّيْحانِ والزَّيتونْ
رَفْرفتْ معي في الشُّجونْ،
وداعا،
 يا رِيّاضَ الليْمونْ
لا تَحْسَري على أفْنانٍ دَفَنوها،
أوْ 
ارْحَلي مَعي
 أغْراساً بين الضُّلوعْ،
فَصَدْري لا يَضيقُ بِأفْنانِ الشَّجرْ.

بعيداً سَتَحْمِلُني النَّوَارِسُ،
 غريبْ،
عَبَثَتْ خَطايانا بِنا
مَنْ يُوَاسينا؟
ذَبُلَتْ تَعاريشُنا،
غاصتْ في أعشابٍ ماتتْ خُضْرَتُها
 فُسْحَتُنا،
يَنْقُرُ نَبْتٌ وَحْشِيٌّ أفْزَعَنا
 يَلتَهِمُ الْحِلْيَاتِ في صَناديقِ النِّساءِ نَفيسَةً
يَدِبَّ الهَبيبْ.

 طارَ ريشُ العُشاقِ نَدائِفَ إلى ثُقَبٍ مُظلمةٍ
في الرَّواسي  الشُّمِّ ذابَ الجليدْ
بعدَ اليْومِ لمْ يعدْ هُنا تَلاقينا؛

أوَاصِلُ في بِقاعِ الأرْضِ رَحيلي
أتْبَعُ الألوانَ بعيداً عَمَّا كان مَراعينا.
أدْفَعُ الشُّعاعَ بِيَدي في الطريقْ
جَوْلاتِنا لَعِبْناها واكْتَفَيْنا.

يا مَنْ رَتَقَتْ حياتي مُمَزَّقَةً في كُلِّ عيدٍ
 لا تَحْسَري،
لا تَقولي بِكُرْبةٍ
 إنْتَهَيْنا.
لا تَقولي آلامُنا لَحِقَتْ بنا
ولا عزاءْ،
هذا الإبْتِلالُ على خَدِّي ليسَتْ دُموعي.

سأحمِلُ باقاتِكِ في أذْكاري
لقلْبي أماناً
أيْنمَا حَلَّ عيدٌ جديدْ،
 سألقِطُ حبَّاتِ عَقيقٍ لكِ
 إئْتَلَقَتْ
في رحيلي حتَّى يَميلَ عَنَّا ما يُعَنِّينا.
سألْقِطُ جَواهرَ الرُّمانْ
تَعِشَقينَهَا؛
لا تحْزَني على الحبيبِ مَرَّ مِنْ هُنا
على الرَّمْسِ
أثقلتْهُ الزَّفَراتُ يَبْعُدُ هُوَّيْنَا
واختفى شَبَحاً منْحَدِراً في الشِّعابْ.
جَوْلاتِنا لَعِبْناها واكْتفيْنا
ذَكِرْنا أوْ نَسِينَا؟

أنتِ خاتِمَتي في خُشوعي
إنْ بَعِدْتُ في السَّديمْ
 لستُ بَعيداً عنْ بَصَرِكْ.

إنْ أدْركْتُ مَرْسَايَ في مَجْرَى رَحيلي
 لا يَهْتزُّ تحتَ أرْزاحِي،
 إنْ مَا عُدْتُ إلى دِيّارٍ تُرْبِكُ دَوْراتِ دَمِي
تُرْبِكُ لَمْسي ومَسْمَعي
وَرَأيْتِ نجْمَنا فوق رأسي 
هاجَرَ
لا تَسْتَغْرِقي في عُزْلَةٍ،
 أريدك أن تَرْحَلي في العيدِ مَعي؟

محمد الشوفاني
لندن في: 10ـ 09 ـ 2016











الأحد، 14 أغسطس 2016

رِسالَةُ حُبٍّ إلى راعِيَّةْ



وَتَسْألينْ...
كَيْفَ زَماني علَى صَدْرِكِ أفْنَيْتُهُ؟
أمَا تَرَيْنَ الرَّجلَ الذي صارْ
يَتْلُو آياتِكِ فَوْقَ هاماتِ الجِبالْ
وَيُجِلُّ ذِكْرَكِ يَحْفِرُهُ في الوهادِ والأغوارْ ؟
وَمِنْ قَيْدِكِ لا مَهْرَبْ.

يا راعِيَّةَ المُروجْ
 على جُرْفٍ رَعَيْتِ ظُنوني
أوْشَكَتْ تَنْحَدِرُ
إلى هَلاكِ الصَّوابْ.


الطفلُ في الوِدْيانِ يَهيمْ
يُؤَرْجِحُ ذِراعَيْنِ عارِيَّتيْنْ،
وعلى الكَتِفَيْنْ
لباسٌ باهتٌ بلونٍ حزينْ،
يُبْصِرُ الطفلُ ولا يَرى في العيدْ
إلاَّ الدَّمْعَ في المُقْلَتَيْنْ،
أمِنْ جوعٍ يَبْكي
 أمْ مِنْ حُزْمَةِ أوْجاعٍ لِمَا جَرَى؟

يُشُمُّ الرَّغيفَ في الطريقْ
 وَعِشْقُهُ لِلْبَقاءْ
قَدَّرَ في عَيْشِهِ مَا قَدَّرَا،
صُوَّرٌ تَظهَرُ غاشِيَّةً في وَعْيِهِ
تُزْحِمُ صُوَّراً تَغيبُ في الوَرَا.

يَفْقِدُ السَّمْعَ وَيَبْقَى لَمْسُهُ
فَحيحُ الحَرِّ يَكْويهِ
لا يَذوقُ لِلْحُلْمِ طَعْماً إلاَّ حينَ ارْتَمَتْ
بِالأحْضانِ لَيالِيهِ.


يَكْبُرُ الطفلُ في مَهْدِ الحبِّ يَشْهَدُ
أفراحاً مُفْعَمَةً بلا انْتِحابْ؛
بِرَوْعَةٍ باذِخَةٍ تَوَهَّجَتْ
تَلْتَقِطُ طَيْفَ الشُّعاعِ أماسيهِ.

 يَسْمَعُ النَّبَضاتْ
يَلمِسُ الآهاتِ في حَدْسِهِ،
 ومُناغاتِ الزُّهورْ،
وعِطْرَ الفُصولْ،
ويَرى الناسَ واحدةً في حربٍ
 مع الناسِ في غِلاَبْ،

هكذا يُلْهيني زَماني،
هكذا ألْهَيْتُهُ
حُبُّنا يَحْضُرُ مُنْدفِعاً
 حُبُّنا يَغيبُ فوْق الشِّعابْ،
يَنْفُخُ روحاً كثيفاً في اللحظاتْ
وأنْفخُ في مِزْماري ما أعاني.

كيف تسألينْ...!
أمَا نَسيتُ في عَيْنَيْكِ كلَّ أمْري؟
وما كان مُتَأصِّلاً نَسِيتُهُ،
 لَمْ يَعُدْ لي؛
واسْتَبانَتْ حَواسِّي في الصَّبابَةِ
مُـفْـتَـنَّـةً،
 ومِنَ العُنْفُوَّانِ اسْتَبانْ
لَوْنُ الظُّنونْ.؟

أمَا تَرَيْنَ قَلباً طَوَى سَمَراً على القِنْديلْ
دونَ أنينْ،
طوى دَهْراً على صَدْركِ مَا دَرَى
كَمْ على الجيدِ الفاتِنِ أوْدَعَ مِنْ قُبُلاتْ.؟

وتسألين...!
كَيْفَ زماني قَضَيْتُهُ؟
أمَا تَرَيْنْ؟
 رَجلاً في مراحِلهِ كيفَ صارْ
 بِحِضْنِكِ ماسِكاً مايزالْ
يتلُو آياتٍ على هاماتِ الجبالْ
وفي قِباءٍ مجاهيلْ
تائهاً يَحارْ.
وذِكْرَكِ يَحْفِرُهُ على جُذوعِ سامقاتِ الشَّجَرْ؟
أما تَرَيْنْ
يَنْقُشُ عِشْقاً بالأظافِرِ دونَ فُتورْ.

 دامِي اليَديْنِ في رَحْبِ السُّهولْ،
 تَحْتَ القَدَمَيْنْ
يَرْصِفُ أحْجاراً بألوانٍ دَرَجاتْ
كُلَّما بَدا نُورٌ ذَهَباً في مَطْلَعهِ.


 يا أعزَّ حبيباتي،
 عُمْري يَجْثُو مُثْقَلاً بِحَزْمَةِ أوْجاعٍ أخْرى
 أسيراً مع القَطيعِ على جُرْفِكِ،
مُمْتَـثِلاً
يَا أنْتِ مَنْ سَـبَـيْـتِـهِ،
 فُـكِّـيـنِـي
 أنتِ مَنْ أفْـقَدَهُ الصَّوابْ.

 يا أعزَّ الحَبيباتْ
 لا تسأليني
هذا سُؤالي،
وعنْ سؤالي أجـيـبـيـني :
ألِلْحُبِّ المُشْتَعِلِ خَلاصٌ مِنْ رَهْبَةِ العِقابْ.؟

محمد الشوفاني
لندن في : 08 ـ 08 ـ 2016